مراعاة الزوجة أثناء الحمل:
تشعر المرأة الحامل بتغيـيرات نفسـية مفاجئة، فتشعر بالسعادة أحياناً، وبالكآبة أحياناً أخـرى، وتعيش في جـو من التأرجح العاطفي المتقلب، وهذا طبيعي عند النساء الحوامل، لهذا كان واجبـاً على الأب أن يراعي الحالة النفسية التي تعيشها الأم، فتحاط بالحنان والرعاية، كما أن حالتها النفسية في الشهر الثامن خاصة قبل الولادة بشهر تقريباً، تكون أكثر سوءاً من الأشهر الأخرى،
لذا وجب على الأب مضاعفة صبره وجهده معها بأن يجنبها كل ما يمكن أن يسوقها إلى الانفعال والضيق إذ إن الانفعالات الحادة والتوترات العصبية والنفسية للأم يمكن أن تنتقل إلى الجنين فقد ثبت علميّاً أن الجنين يتأثر بمرض الأم وصحتها، وكل ما يجري لها، أما ما يجري للأب فإنه لا يصل إليه، فإن دوره المباشر ينتهي بالتلقيح، وقد أشار بعض المختصين في هـذا الجانب إلى أن ما يظـهر على المولود من انفعـالات الخوف والشجاعة والغضب والكسل والحسد - وغيرها - هو نتيجة للعوامل والانفعالات النفـسية أثناء الحمل. ويوجه الأب زوجته الحامل إلى الجيد من الطعام كالرطب فإنه يقوي الرحم، ويساعد على يسـر الولادة، ويخفف نزف الدم بعد الولادة، ويجنبـها النشويات والسكريات والدهون - خاصة في الأشهر الأخيرة- وذلك حفاظاً على متوسط وزن الجنين.
إثبات النسب :
إن إثبات النسب حق لله عز وجل ، وللطفل وللأب وللأم ، إذ إنه بهذا الإثبـات يصان الولد من الضيـاع والتشرد ، إلى جانب المحافظة على المجتمع من شيـوع الفواحش وانتشار اللقطاء . كما أن إثبات النسب ترتب عليه حقوق أخـرى مثل الولاية في الصغر ، والإنفاق والإرث ، وغير ذلك من الأمور التي يمكن مراجعتـها في كتب الفقه . وقد ورد التحذير الشديد لمن أنكر ولده وجحـد نسبه فقال عليه الصلاة والسلام :[ أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه ، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ] . ( رواه الدارمي ) . كما ورد أيضاً التحذير والوعيد لمن انتسب إلى غير أبيه وهو يعلم .. وهكذا تحصـن الشريعة المجتمع من شيـوع الفساد ، وتمنع أسباب قطيعة الأرحام ، وظلم الذرية ، واختلاط الأنساب .
الأذان في أذن المولود :
ويستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان في أذن المولود اليمنى ، وأن يقيم في اليسرى ، وذلك ليكون أول شيء يصل إلى المولود من أمور الحياة بعد الهـواء هو التوحيد المنافي للشرك ، فلا ينـبغي إهمال هذه السنة محتـجين بأن الطفل لا يعي ذلك لصغر سنه ، فإن واعية الطفل تحفظ نبرات وتقطيعات الأذان ، ولو لم يكن في هذا العمل كله سوى الاقتداء بالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام لكفانا ذلك حجة للقيام بها .
عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبيه رضي الله عنه قال : رأيت رسـول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسـين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها ، وبهـذه السنة يحفظ المولود عند أول خروجه إلى الحيـاة من الشيطان ، ويقع في نفسه التوحيـد الموافق للفطرة - المركوزة فيه أصلاً - فيكون ذلك له خيراً عند كبره وبلوغه بإذن الله تعالى .
التحنيك :
التحنيـك سنة مؤكدة من سنن الهدى التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، فكان عليه الصلاة والسلام يؤتى بالصبيان فيدعو لهم ويحنكهم .
والطريقة في هذه السنة كما هي في الحديث السابق : أن يأخذ الأب - أو من يراه من العلماء أو الصالحين من الأقرباء أو الجيران أو الأصدقاء ، ممن عرفت سـيرته بالصلاح والخير - تمرة ثم يمضغها في فمه مضغاً جيداً ، ثم يأخذ بعضاً منها بأصبعه فيضعه في حنك الغلام ويدلكه من الداخل ، متأكداً من وصول بعضه إلى الجوف ، فإن لم يجد تمراً حنكه بأي حلو. ومعجون التمر أفضل اقتداءاً بالرسول عليه الصلاة السلام . كما أن غدد الفم تستجيب لحلاوة التمر إنسجاماً مع الفطرة .
وقد تبدو العلاقة هنا مادية بحتـة ، غير أن الأثر الذي يخلفه هذا التذوق في الفم يختزن في الواعية ويكون مع مرور الزمن مدعاة لكل حلاوة ، ونفوراً من كل قبيح، واستقبالاً لكل جميل .
ويراعي الأب عدم إعطاء المولود الجديد أي طعام قبل تحنيكه اقتداء بالسنة . كما هو في الحديث الذي تقدم ، فيكون بذلك قد أصاب السنة في هذا الأمر .
التسمية:
يتأثر الطفل نفسياً بنوع الكُنية أو الاسم الذي يعطى له ، فتتأثر رؤيته لنفسه بذلك، فإن بعض الأطفال يعانون من أسمائهم لأنها تحمل معاني لا تعجبهم ، فتتأثر نفسياتهم، ويتعرضون لأوقات وظـروف عديدة من البؤس والتعاسة ، وذلك لأن أول كلمة يتعلمها الطفل عادة - أو يحاول أن يكتبها - هي اسمه ، فإذا كان جميـلاً إنعكس ذلك عليه بهجة وسعادة وإن كان ذميماً انعكس عليه بؤساً وشقاء .
ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباطاً بين الاسـم والمسمى ، وأن للأسماء تأثيراً على المسميات ، وبالعكس ، ويذكـر رحمه الله جانباً تربويّاً مهمّاً في اختيار الاسم ، إذ إن صاحب الاسم الحسن يحمله اسمه ، ويدفعه إلى فعل المحمود من الأفعال وذلك حياءً من اسمه لما يتضمنه هذا الاسم من المعاني الحسنة . ويلاحظ في العادة أن لسفلة الناس ولِعلْيتـهم أسمـاء تناسبهم وتوافق أحوالهم ، لهذا جاءت الشريعة الإسـلامية موافقة لهذا المبدأ ، فقد أمر رسـول الله صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء فقال : [ من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه ] .
كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام تغيير الأسماء الذميمة بأسماء حسنه فعندما حاول علي رضي الله عنه - عدة مرات - تسمية أحد أولاده حـرباً كان عليه الصـلاة والسلام في كل مره يغيره بأسماء حسنة ، فسماهم الحسن والحسين ومُحسن ، كما ورد عنه أنه غير اسم العاص إلى مطيع ، واسم غراب إلى مسلم .
وفي الجانب الآخر ورد عنه عليه الصلاة والسلام استحباب بعض الأسماء كعبد الله وعبد الرحمن ، ورغب في التسمية بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فقال : تَسَمّوا بأسماء الأنبياء . واسمه عليه الصلاة والسلام أفضلها .
وقد كره العلماء تسمية نور الدين ، وشمس الدين وما شابه ذلك. وحرّموا التسمية بشيطان ، وكليب ، وشهاب ، وحمـار ، وعبد النبي ، وملك الملوك ، أو التسمي بأسماء الله مثل : خالق ، وقدوس ، ورحمن ، أو التسمية بعبد الكعبة، أو عبد العزى وغير ذلك من الأسماء غير اللائقة .
ويمكن أن يدرج في هذه الأسمـاء المكروهة تلك الأسماء التي يشترك فيها الذكـور والإناث ، فالأولى للأب ألا يسمى ولده باسـم منها ، لما قد تسببه من إحـراج وإحباط للولد ، وتعريضه للسخرية من رفاقه ، ومن هذه الأسماء ناهد، وعصمت ، وإحسان وغيرها .
وتقيد الوالد بما ورد في السنة من توجيـهات في تسمية المولود له فوائد نفسـية واجتماعية تعود على الولد بالخير ، إلى جانب الثواب الذي يحصله الوالد من بركة اتباع السنة النبوية المطهرة ، وإحيائها في زمن قد تغـافل كثير من الناس عنـها ، وزهدوا فيها ، فإن خالفته في ذلك زوجته أو أهله فليعلم أن تسمية المولود من حق الأب شرعاً فهو الذي يختار اسمه .
أما عن موعد التسمية ، فإن في الأمر سعة، فله أن يسميه في الوقت الذي يشاء من أول يوم ولادته ، أو في السابع ، أو بعده ، ففي الأمر ولله الحمد سعة .
العقيقة:
العقيقة تعني في اللغة القطع ، وفي الاصطلاح الشرعي تعني : ذبح شاة عن المولود يوم سابعه ، وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء ، قال عليه الصلاة والسلام : [عن الغلام شاتان مكافيئتان ، وعن الجارية شاه ] ، وعند الإمام مالك رحمه الله : عن الذكر شـاة واحدة كالأنثى ، مراعياً أن تكون من أفضل النَّعم ، غير عوراء ، أو عرجاء ، أو مريضة ، ولا يبيع شيئاً من لحمها أو جلدها ، إنما يأكل الأهلُ منها، ويتصدقون ببعضها ، كما كره رحمه الله أن يجمع عليها الناس فتكون كالوليمة، بل أمر بطبخها والأكل منها ، والإهداء .
ولا يصح فيها إشراك مولودين في شاة واحدة ، بل لكل مولود شاة .
والسنة في الذبح أن يقول : بسم الله ، اللهم لك وإليك ، هذه عقيقة فلان ، ولا يكسر عظمها ، بل تفصل الأعضاء من عند المفاصل دون كسر .
ويستحب أن تذبح العقيقة يوم السـابع ، وعلى الوالد أن يراعي تطبيـق السنة ، ويشرف بنفسه على ذلك ، وأن يجنب المولود الجديد البـدع المحدثة في هذا المجال مثل تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة ، كما كان يفعل في الجاهلية ، بل يستعاض من ذلك بالزعفران .
كما ينبغي له أن يحترس مِمَّا أحدثه بعض الناس في ليلة السابع من وضع المصحف ورغيف وسكر عند رأس المولود ، فإن هذا لم يرد فيه دليـل ، بل هو من البدع المحدثة ، فالسنة أولى بالاتباع ، فإن وجد الوالد بعض العنت من أهله وأقربائه، فإن سلامة المولود وحفظه من المحدثات والبدع أنفع له من إرضاء الناس .
وانظر تفاصيل أخرى في العقيقة ضمن ( محور الأمومة في مجلتنا هذه ) .
الحلق :
حلق رأس المولود بالموسى من السنـة ، ويكون ذلك في اليوم السـابع من ولادة المولود ، ثم يتصدق عن المولود بما يعادل وزن شعره من الذهب أو الفضة ، فقـد وردت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولدت السيدة فاطمة رضي الله عنها قال لهـا صلى الله عليه وسلم : [ زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة ] . رواه الحاكم .
وهذه السنة المباركة قد أهملت ، ولم يعد يفعلها إلا القليل ، فلا ينبغي للأب المسلم أن يزهد فيها أو يغفلها متذرعاً باحتمال أنه ربما أضرت الحلاقة بالمولود ، أو أنه لا يحسن الحـلاقة ، فبالإمكان تكليف غيره ممن لديه خـبرة أن يتولى إزالة الشعر ، فتحصل له بركة اتباع السنة وأجر الصدقة على الفقراء والمساكين .
أما وقت الحلاقة فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه في وقت ذبح العقيقة، وذهب آخرون إلى أنه يسبق العقيقة ليتميز عن مناسك الحج.
الختان:
الختان : هو إزالة الجلدة الموجودة على رأس الذكر ، وهو من سنن الفطرة المباركة الواردة في الشرع ، وله فوائـده الصحية الكثيرة ، فمنها : أنه يقـلل من أسباب الإصابة بمرض السرطان الخبيث ، ويقلل من سلس البول الليلي الذي يكـثر عند الأطفال ، إلى جانب أنه يجنب الطفل كثرة العبث بأعضائه التناسـلية ، إذ إن هذه الجلدة إذا لم تقطع تثير الأعصاب التناسلية ، وتدعـو إلى حكها، ولا داعي للختان إذا ولد الصبي مختـوناً ، كما أنه ليس للختـان سنة في عمل حفل أو جمع الناس ، وإنفاق الأموال ، أو غير ذلك من الممارسات الشعبية التي لا أصل لها .
أما موعد الختان فقد اختلف فيه العلماء ، فكرهه بعضهم في اليوم السـابع مخالفة لليهود ، وعند المالكية يكون الختان عند أمر الصبي بالصـلاة ، أي ما بين السابعة إلى العاشرة من عمره ، وقد نقل أن السلف كانوا يختنـون أولادهم حين يقاربون البلوغ ، والأمر في الختان واسع ، فلو عمله يوم السابع أو بعـده ، أو قبل البلوغ فلا بأس . إنما المهم في الأمر ألا يبلغ الولد إلا وقد ختن ، وقد رجح بعض العلماء أن يتم الختان في الأيام الأولى من عمر الصبي ، وذلك لسهولته ، وسرعة شفـاء جرحه.
( من كتاب مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة )