والناس في العالم الثالث تفتن بالزعماء، وتخلدهم بعد مماتهم.. فلو شاهدوا صورة الزعيم، مصمصوا الشفاه وترحموا عليه رغم أنه لم يقدم لهم قدر ماقدم الشعب له.. أما الناس في العالم المتقدم فيدققون فيمن يختارونه لقيادتهم، ويكون للقائد سقف زمني لا يستطيع هو أو غيره اختراقه مهما كان مخلصا وأمينا علي الشعب، ومهما حقق من إنجازات.. أما الزعيم فلا يتزحزح عن الكرسي إلا بالوفاة أو المرض العضال.. وهو مستمر مادامت لديه القدرة والحيوية، وهو لايفكر فيما سيحل بالشعب بعد رحيله.. ولو فكر في خليفة له، يختار أحد المقربين الأعزاء ليخلفه بعد وفاته أو بعد مرضه الشديد.
الزعيم لو خرج للشارع في أي دولة من دول العالم الثالث تتوقف حقوق المواطنين في المرور.. فلا مرور إلا لزعامته، ولاحق لسواه.. أما القائد في الدول الأخري فيستطيع أن يمر بجوار المواطنين، ولايجرؤ علي إغلاق طريق لأنه سيمر فيه.
الزعيم لا يشعر أبدا بأنه أخطأ، وحوله دائما من يحولون أخطاءه لانتصارات وفتوحات عظيمة وتاريخية، ويصنعون من فشله قمة التخطيط والحكمة.. أما القائد لو أخطأ فعليه أن يستقيل أو يعتذر لشعبه.. والزعيم لايشترط فيه من أين جاء أو ماذا فعل في الماضي.. أما القائد فلايأتي بالصدفة ولا تفرضه الأحداث.
الزعيم يضع القواعد التي يراها ويبدلها وقتما لايحتاجها، ولا يحاسبه أحد.. أما القائد فيعمل وفق الدستور والقانون والقواعد الموضوعة والمتفق عليها ولايجرؤ علي الخروج عليها أو العبث بها خوفا من حساب الشعب والمساءلة.
والزعيم ظاهرة إعلامية، الإعلام بالنسبة له غاية تشبع متعته في الظهور الدائم.. أما القائد فلا يتكلم إلا بحساب وعند الحاجة فقط، ويكون الإعلام بالنسبة له وسيلة لا غاية.
الذين أسسوا الديمقراطية كانوا قادة، والذين انتهجوا الديكتاتورية كانوا زعماء.. والذين حزنوا علي ترك كاسترو للرئاسة - رغم أنفه - كلهم من شعوب العالم الثالث.. أما الذين رحبوا برحيله من السلطة وتحفظوا علي توريثها لشقيقه كانوا من الدول المتقدمة.
الناصر صلاح الدين كان قائدا فهزم جيوش الصليبيين وحرر القدس.. وشعوب العالم الثالث تحتاج لقادة حتي تنهض.. فالزعماء يجرونها للخلف.