كل القصص والروايات الواردة من مزارع الفاكهة وحقول الخضروات في مصر لا تدع لك مجالا للشك بأن السرطان يحاصرنا من بين أيدينا ومن خلفنا ومن أمامنا وعلي كل الموائد وفي كل الأطباق، ولا نجاة منه إلا بالتوقف فورا عن الأكل واللجوء إلي الحقن بالجلوكوز للبقاء علي قيد الحياة، عافاك الله وإيانا.
أصحاب مزارع الفاكهة مترامية الأطراف في البلد يحكون لك في هدوء وفي ضمير مستقر كيف يتحايل بعضهم علي مواعيد المبيدات الزراعية ويتسرع في جمع الثمار قبل أن يتاح للمبيد الوقت الكافي للتفاعل مع الثمرة أو القيام بدوره التطهيري في الأرض، فالمبيدات التي يجري تصنيعها لتخدم الشجرة والجذر والأرض والثمر، تتحول إلي سم قاتل، وفك مفترس ، وسرطان متحفز بالطريقة المتهورة وغير الأمينة التي يتعامل بها بعض الفلاحين وأصحاب المزارع.
فالمبيد الذي يتحتم بقاؤه في الأرض أكثر من ٢١ يوما ليقوم بدوره الفاعل في نسيج الفاكهة، لا يسمح له المزارعون بالبقاء أكثر من يوم واحد ثم يهرولون إلي جمع الثمر أملا في النزول إلي الأسواق وجني الربح السريع والبدء في دورة جديدة من الزراعة،
أي أن سيادتك وأنا وأبناءك وأبنائي قد نأكل اليوم فاكهة يسبح علي سطحها وفي أعماقها المبيدات التي رشها الفلاحون بالأمس قبل أربع وعشرين ساعة فقط من وصولها إلي يديك ودخولها في سكينة وبراءة إلي ثلاجة العائلة.
المأساة هنا أنه لا يوجد صاحب مزرعة واحدة إلا ويقسم أن هذا ما يحدث بصورة طبيعية وروتينية في عشرات المزارع من حوله، والناس لا تتبين ما الذي يجري لها وهي تأكل فاكهة بالمبيدات وخضروات بالمواد الكيماوية، وفي حين تخضع الفاكهة المصدرة إلي الخارج لفحوص واختبارات للتأكد من أن المبيدات المستخدمة في الزراعة قضت دورتها الطبيعية في الأرض،
فإن العكس يحدث في الفاكهة الموجهة للسوق الداخلية لا تخضع لأي نوع من الفحص، وتباع كما هي من مستنقع المبيدات إلي المستهلك مباشرة، لا تحليل، لا فحص، ولا جهة لتراقب ما يجري، ولا حماية لصحة الناس من هذا الخطر.
المأساة قائمة، وعلي حد علمي فإن كل طاقم وزارة الزراعة علي علم بما يجري، ولكنهم علي ثقة بأن «المصري معروف بقوته وبجبروته ومعدته تأكل الحديد وتأكل الزلط» فلا داعي إذن لإفساد موسم الزراعة وخراب بيوت أصحاب المزارع بالرقابة علي رش المبيدات، ظني أن هذا هو المنطق الذي يتعاملون به، وإلا لماذا تركونا نأكل كل هذه السموم بلا رعاية.
لو لم يتحرك وزير الزراعة ووزير الصحة والأجهزة الرقابية فإنني أطالب باستحداث جهاز أمني جديد في وزارة الداخلية تحت اسم «مباحث مكافحة السرطان» تقوم بالتفتيش علي مواعيد رش المبيدات، وتطارد كل زراع الموت، وأصحاب مزارع الموت، في بلادنا